/ الفَائِدَةُ : (145) /
06/05/2025
بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين. / اختلاف اِخْتِبَارات واِمْتِحَانات المخلوق في جملة العوالم/ / عَالَمُ القيامة اِخْتِبَارٌ واِمْتِحَانٌ لِلُّبِّ المخلوق / يَجْدُرُ الْاِلْتِفَات : أَنَّ اِخْتِبَارَات المخلوق واِمْتِحَاناته تختلف باختلاف العوالم الْمَارُّ بها ؛ فمثلا : عَالَمُ الدُّنيا الأُولىٰ اِخْتِبَارٌ واِمْتِحَانٌ للأَبدان ، وعَالَمُ البرزخ ؛ وعَالَمُ آخِرَة الدُّنيا (الرَّجعة) اِخْتِبَارٌ واِمْتِحَانٌ للصفات النَّفسانيَّة ، وعَالَمُ القيامة اِخْتِبَارٌ واِمْتِحَانٌ للعقول والقلوب والسَّرائر ، وَهَلُمَّ جَرّاً . ولعلَّ هذا هو أَحد تفاسير بيان قوله تعالى : [يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ](1)، فإِنَّه وإِن ذهب جملة من المُفسِّرين إلى أَنَّ المُراد من (تُبلى) : تُجازى السرائر بما كانت منطوية عليه . لكن يمكن أَن يقال : إِنَّ المراد : أَنَّ نفس يوم القيامة يوم اِخْتِبَار واِمْتِحَان لسرائر المخلوقات ؛ ومَن الَّذي حسن ظنَّه بالله سبحانه ، ومَن الَّذي أَساء الظَّن به (تعالى)، وهل رجاءه بالله وتوكله عليه ينقطع ،أَوَ لا ؟ وَهَلُمَّ جَرّاً . وطبقة السِّرّ ـ كما تصفها بيانات الوحي ، منها : بيان قوله تعالى : [وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى](2)ـ طبقةٌ من طبقات الرُّوح الصاعدة ، أَرفع من طبقةِ القلب . وهناك شواهد عديدة واردة في بيانات الوحي ؛ دَالَّةٌ على أَنَّ عَالَمَ القيامة عَالَمُ اِخْتِبَار واِمْتِحَان ، وهو ـ عَالَمٌ ـ أَطول عمراً وأَعظمُ طاقة واِمْتِحَانـاً وبـلاءً من نَشَآت عوالم الدُّنيا ، بل كأَنَّها روضة تمهيديَّة وتدشين للمعرفة الْحَقَّة في ذلك العَالَم . نعم ، هذه العوالم مؤثِّرةٌ جِدَّاً في استقامة المخلوق في ذلك الاِخْتِبَار والاِمْتِحَان الأَعظم ، وهذا ما يوحي إليه بيان جَبْرَئِيلُ عليه السلام حينما خاطبه سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ : « كفى بالموت طامة (3) يا جبرئيل . فقال جبرئيل : إِنَّ ما بعد الموت أطم وأطم من الموت» (4) أَي : أَنَّ الاِمْتِحَان والفتنة والبلاء والفزع والزلزلة والهول يكون أَعظم ، ومن ثَمَّ ورد بيان قوله تـعـالى : [فإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى * يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى](5) وبيان قوله تقدَّس ذكره : [لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ] (6). والتركيز في يوم القيامة واِخْتِبَارَاته واِمْتِحَاناته الكبرى جميعها تكون مرتبطة بالقلب وشؤونه ؛ لأَنَّ طاقاته وزلازله أَقوى وأَشَدُّ وأَعظم . ولهذا يشير مضمون بيان أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « حكام يوم القيامة أَعظم ملكاً من حكام دار الدُّنيا »(7) ، ومن ثَمَّ يُعبَّر عنه بـ : (يوم الملك) ؛ لتبدل الملك وصيرورته لله تعالى ولأوليائه ، وحينئذٍ يكون أَشدُّ سلطنة وسلطة وسطوة. وهذه البحوث لم يَشمّ رائحتها أصحاب المدارس البشريَّة ـ كالفلاسفة والمُتكلِّمين ـ ، رغم توفرها في بيانات الوحي . وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ الأَطْهَارِ . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الطارق : 9 . (2) طه : 7 . (3) الطامة : الداهية تفوق ما سواها .(البحار) . (4)بحار الانوار ، 18 : 323 . (5) النازعات : 34 ، 35. (6) غافر : 16. (7)